تلعب القصص دورًا هامًّا في حياة الأطفال: فهم يتمتعون بتصفح الكتاب، والتمعّن بالصور والتعرّف إلى الشخصيّات الواردة في القصة. وقد أجريت الكثير من الأبحاث حول أدب الأطفال أكّدت أهمية وتأثير قراءته للأجيال المختلفة- خاصّة جيل الطفولة المُبْكِرة.
هناك دور كبير للقصّة في المجال الشعوريّ الانفعاليّ إلى جانب التأثير على الجوانب العقليّة الذهنيّة والاجتماعيّة والتربويّة. فذلك يساعد الطفل على التعامل الصحيح مع مشاعره المختلفة. يكمن هذا الدور الهام في أنّ الطفل يتعاطف بسهولة مع القصّة والشخصيّات والاحداث. تعطي قصص المشاعر الطفل الشعورَ بأنّه ليس مختلفًا وهناك الكثيرون من الأطفال يلمسون هذه المشاعر ذاتها.
تحدّد نظرية وينكيت ثلاثة عوالم عند الطفل هي: أولًا العالم الداخليّ الشخصيّ للإنسان، وهو عالم اللاوعي؛ ثانيًا، العالم الخارجيّ الفيزيائيّ- الاجتماعيّ؛ وثالثًا عالم الطفل حيث ينمو من داخله. هذا العالم يعمل بواسطة القصص والنصوص الأدبية حيث يصقل عالم الطفل بطريقة تُمكّنه من مواجهة الصعوبات، ونستطيع صقله وتكوينه بطريقة تمكّن أطفالنا من مواجهة الصعوبات، والتغلب على مشاعر الخوف والغضب والتوتّر وغيرها. في بداية العشرينات من القرن الماضي استخدمت القصص لمساعدة الأطفال بالتغلب على المشاعر السلبية، فيما يُسمى بالببليوترابيا او العلاج عن طريق النصوص الأدبية. هذا علاج يساعد الطفل في التغلب على مخاوفه ومشاعره السلبيّة بواسطة القصّة. أمّا في سنوات التسعينات من القرن الماضي فقد اصبحت الببليوترابيا علاجًا يمرّر بواسطة معالجين مُختصّين وليس من أشخاص عاديّين كما كان مُتّبعًا سابقا. يشير د. مروان مصالحة في كتابه "الببليوترابيا- التدريس العلاجيّ بواسطة النصوص المدرسية"، الذي صدر حديثا، إلى أهمية القصة في دعم جيل الطفولة المبكرة لبناء جهاز مناعة أوّليّ يُمكّن الطفل من خوض تجارب مختلفة في حياته، وذلك عن طريق المعلمات والاهل. فنحن كأهل وكمُربّين نلجأ إلى هذه العمليّة العلاجيّة لا شعوريًّا في أغلب الأحيان، وذلك على المراحل التالية: مرحلة التوافق التي يجد فيها الطفل التشابه بين مشكلته والمشكلة المعروضة في النصّ؛ مرحلة التحرّر التي يتحرّر فيها الطفل من المشاعر المكبوتة ويجد نقاط التوافق بين مشاعره ومشاعر الشخصيّة المعروضة؛ مرحلة التفهم والتداخل وهي المرحلة التي يستوعب فيها الطفل مشكلته بشكل كامل ويبدأ بالعمل على حلها.
يعاني الأطفال خلال سنوات حيواتهم الأولى الكثير من المخاوف. ومن الهام جدًّا التعامل مع هذه المخاوف بطريقة سليمة ومناسبة لكي نقلل تأثيرها السلبيّ على شخصية الطفل. هناك الكثير من القصص التي تعالج الشعور بالخوف لدى الأطفال مثل قصّة "عندما أشعر بالخوف" للكاتب ترايس موروني، بترجمة ماري فياض: هذه قصة محورها شخصية أرنب صغير يتحدّث عن مخاوفه المختلفة، ويفتّش عن حلول، ويُشرك القارئ بأفكاره وتصرّفاته، بحيث يظهر القارئ كجزء من القصة ذاتها، حتى أنّه يُوجّه له سؤالًا مُعيّنًا. هذه القصة تعتبر مثالا ممتازًا لأنّها تساعد الطفل على بناء عالم داخليّ سليم يعيش فيه. يتحدّث الارنب الصغير من خلال القصة عن شعور الخوف بشكل مباشر وترد كلمة خوف خلال القصة من بدايتها حتى نهايتها عدة مرات. إنّ الحديث المباشر والواضح عن شعور الخوف يعطي الطفل إمكانية لفهم الشعور بصورة أسهل وأوضح، كما يدخله في المرحلة الأولى من رؤية التشابه بين مشكلة الأرنب في القصّة وبين مشكلته الشخصيّة التي هي الشعور بالخوف، ما يؤدّي إلى اتصاله بالشخصية والتعاطف معها أيضًا.
بعد الاعتراف بالشعور بالخوف يدخل الأرنب الصغير بوصف دقيق للتغييرات الجسديّة التي يمرّ بها عندما يشعر بالخوف، كقوله: "يمكنني أن أسمع دقّات قلبي الذي يخفق بسرعة وبقوّة، ويكاد يقفز من صدري"؛ "يهتز جسمي ويرتجف ويقف شعري وينتصب". هذا الوصف الدقيق له دور هام في مساعدة الطفل على التعاطف والتفهم وإيجاد التشابه بينه وبين الارنب، حتى أنّ مجرد الاعتراف بالشعور بصورة مباشرة ووصف الحالة التي مرّ بها يشكّل إعطاء شرعية للطفل بالتحدث عن الشعور.
عنصر آخر هام في هذا النصّ المميز أنّه يُدخل عدّة جمل تقوّي هذه الشرعية وتقوّي لدى الطفل الجرأة بالتحدّث عن مخاوفه الشخصيّة: "كلّنا نشعر بالخوف أحيانا"؛ "لا بأس بأن نشعر بالخوف"؛ "كلّ واحد فينا يخاف من شيء معين". هذه الجمل تؤكّد على أنّ شعور الخوف هو شعور طبيعيّ، كلنا نشعر به من دون استثناء، حتى البالغون، ما يُعزّز ثقة الطفل بنفسه ويجعله يشعر بارتياح وبأنّه ليس وحيدًا في هذا الشعور.
تعدّدية مصادر الخوف: "هل تحبّ أن تعرف ماذا يخيفني؟ العناكب القبيحة الزاحفة تخيفني؟"؛ "الأشخاص الذين يرفعون أصواتهم في وجهي يخيفونني"؛ هذه الأقوال تعطي فرصة لشريحة كبيرة من الأطفال كي تتفاعل وتتعاطف مع القصة، لأنّها تزوّدهم بعدّة أسباب للخوف كما قد تلائم عددًا كبيرًا من الأطفال. وقد عرضت الحلول للتغلب من قبل الأرنب الصغير الذي يمثل الطفل، وهذا يدلّ على أنّ الطفل قادر على إيجاد حلول بقواه الذاتيّة من دون مساعدة بالغ: نعم، أنا أستطيع إيجاد حلّ، نعم لديّ القدرة على التفكير... هذه القيم فيها تعزيز قويّ وهامّ لشخصية الطفل. الذروة في القصة حسب رأيي، هي النهاية التي ينتقل فيها الارنب الصغير إلى دور المُخيف وليس الخائف: "وفي بعض الأحيان أحبّ أن ألبس ملابسَ مخيفة، وأن أخيف الآخرين".
قصة "عندما أشعر بالخوف" هي قصّة تعالج شعور الخوف بطريقة مميّزة وناجحة جدًّا؛ فالأرنب الصغير الذي يمثّل الطفل يملك الجرأة بأن يعترف بالشعور بالخوف؛ بأن يصفه ويصف التغييرات الجسدية المرافقة له؛ بأن يجد الحلول وحده من دون مساعدة البالغ؛ بأن يُطمئن الطفل بأنّ شعور الخوف هو شعور طبيعيّ كلنا نشعر به، وأن تكون لديه القدرة ليكون المخيف وليس الخائف. هذا الأمر يدلّ على ثقة عالية بالنفس. فخلال كلّ القصة كان الارنب واثقا من نفسه بالرغم من الشعور بالخوف.
القصة رائعة بكل ما للكلمة من معنى، والسؤال الذي يطرح نفسه: هل نجد في أدبنا المحلي قصصًا تحمل هذه العناصر الرائعة؟ هذه الأساليب المميّزة؟ هل سيتعامل مجتمعنا العربيّ مع المشاعر السلبيّة بهذا الانفتاح والتقبّل والتفهم؟ هل سنستغني نحن كمجتمع عربيّ عن جمل مثل "إنتِ زلمة، الزلمة ما بخاف"؟ "فش إشي بخوّف، البنات بس بخافوا"؟.. هل نستطيع نحن كأهل وكمُربّين أن نُعزّز ثقة أطفالنا بأنفسهم كي نساعدهم على بناء أجهزة مناعة لمجابهة التجارب اليوميّة والقدرة على التعامل معها.
حبّذا!
د. مروان مصالحة. (2018). الببليوترابيا- التدريس العلاجي عن طريق النصوص الادبية. دار السكرية للنشر والتوزيع.
טלילה, נ'. (תשס"ו). מקומה של הנפש בחינוך. ילדות, ילדים וילדות, עמ' 99-118.
تعليقات (0)
إضافة تعليق