أحد أكثر الأفلام المنتظرة في عام 2019، كان فيلم "الأسد الملك" بصيغته الواقعيّة، أو ما يسمى بصيغة "لايف أكشن". وصل الفيلم لدور العرض في نهاية الأسبوع الماضي، 17 تموز. وكما هو متوقع، تراكض الناس مسرعين لتذوق طعم الحنين؛ فالأسد الملك يذكر معظم من ترعرع في ثمانينات وتسعينات القرن الماضي بأيام الطفولة البعيدة. فترة التسعينات كانت فترة ازدهار سينما الأطفال، إذ يدعوها بعض الباحثين بفترة نهضة ديزني (Disney Renaissance)، بين سنوات 1989 و1999. فيلم الأسد الملك، كان أحد أبرز أفلام ديزني في تلك الفترة.
سبق وشاركنا تحليلًا سياسيًّا لفيلم الأسد الملك الصادر عام 1994، بعنوان الأسد الملك: دروس في السياسة وقيادة الثورات. في هذه المادة سوف نتطرّق بشكل خاص لفيلم الأسد الملك في الصيغة الواقعية، الصادر في الأسبوع الماضي.
كما ذكرنا في تلك المادة، الأسد الملك يحكي قصة أمير الأسود الشاب سيمبا منذ ولادته في مملكة الأسود في أرض العزّة، وحتى وصوله إلى كرسي الحكم. للشبل الصغير سيمبا هناك عم باسم سكار (ندبة)، الذي يخطط للسيطرة على كرسي الملك. في طريقه للكرسيّ، يقتل سكار والد سيمبا، الملك مُفاسا، ويستولي على أرض العزة وينفي سيمبا منها. سيمبا يترعرع بصحبة تيمون وبومبا، حتى يكبر ويعود إلى أرض العزّة للسيطرة على كرسي الحكم من جديد.
في هذه الصيغة للفيلم، حاول المنتجون نقل فيلم الرسوم المتحركة بكافة تفاصيله، ولم يحيدوا عن السيناريو الأصلي كثيرًا. الاختلاف المركزي من ناحية السيناريو تمثّل بتوسيع الحوارات، وإضافة مشهد واحد مركزي، فيه تواجه نالا الملك سكار، قبل هروبها وانطلاقها للبحث عن مُنقذ. لهذا المشهد قصّة طويلة، إذ جرى تحضيره للصدور أيضًا في فيلم 1994، ولكنه كان قد سقط في غرفة مونتاج الفيلم. في سيناريو النصّ الأصليّ، الذي كتب في 11 أيلول/ سبتمبر 1992، كان من المفترض أن يحاول سكار مغازلة نالا. وفي وقت لاحق أكثر، في إصدار DVD، تمت إعادة هذا المشهد إلى الفيلم وفيه غنّى سكار أغنية قصيرة بعنوان "Madness of King Scar" (جنون الملك سكار). هذا المشهد، عاد إلينا مجددًا في الصيغة الواقعية، من دون الأغنية.
لكنّ الاشكالية المركزية في الفيلم لم تكن في السيناريو، بل كانت في البناء البصريّ للشخصيات. لكون الفيلم صادرًا بصيغة واقعيّة، فإنّ كافة الشخصيات تأتي بتقنية CGI المحوسبة لتصوير الواقع. لهذا السبب توفّر هذه التقنية صورة حقيقية للطبيعة والشخصيات والأبطال. وكما كتب ناقد نيويورك تايمز أي. أو. سكوت، قد يكون هذا الفيلم هو أحد أفضل أفلام القرن، لو كان المقياس الوحيد هو المقياس التقنيّ. وحقًا: الفيلم رائع جدًا بتصويره للأسود والضباع التي تبدو وكأنّها حيوانات حقيقية. لكن هنا بالضبط الإشكالية في الفيلم.
عندما ننظر إلى الحيوانات في الطبيعة فإنّنا لا نرى كافة التعابير العاطفيّة التي نراها على وجه الإنسان. في الرسوم المتحرّكة يأخذ الفنانون التعابير المختلفة للوجه البشريّ ويمثّلونها بتطرّف على وجوه شخصياتهم المرسومة، حتى لو كانت حيوانات. نتيجة لهذا، في تحويل الأسد الملك، من فيلم رسوم متحرّكة إلى فيلم واقعي، يفقد الفيلم كافة التعابير العاطفية التي تبدو على وجوه الشخصيات. هذه التعابير، هي التي تحوّل الشخصيات إلى حيوانات حيّة وساحرة تأسر قلوب المشاهدين، كونها بنظرة واحدة فقط، قد تكشف كمًّا هائلًا من المشاعر والعواطف التي تمثّل نفسيتها المركّبة. للأسف الشديد هذه الأمر الأساسي الذي يفتقده فيلم الأسد الملك في صيغته الجديدة. خسارة تعابير وجه سيمبا، تحوّله إلى شخصية مسطّحة جدًا، وتفقده كافة المشاعر والأحاسيس والسّحر الذي ميّز شخصيته وحوّله إلى أحد أبرز وأعظم شخصيات ديزني.
بالرغم من كل هذا، فهناك شيء إيجابيّ في الفيلم، وهو الإضافة الفكاهية على شخصيّة تيمون وبومبا. رفيقا سيمبا الضائعان، آكلا الدود والحشرات، هما الروح الفكاهية الوحيدة التي بقيت في الفيلم، وما زالت تذكرنا بالفيلم الأول. أروع ما في دوريهما أنّ حواراتهما في الفيلم الجديد مبنيّة بشكل مباشر على حوارات الفيلم الأول، فهما يحاكيانه ويهزئان به. أي أنّ نكتهم الجديدة واقتباساتهم بمعظمها جاءت ساخرة على الاقتباسات القديمة، وكل من يعرف الحوارات القديمة يميّز هذه السخرية.
في بداية القرن العشرين، اقترح باحث علم الاجتماع ماكس فيبر مصطلح Disenchantment (نزع السحر عن العالم / خيبة الأمل)، لوصف العقلانية الثقافية المرافقة بدحض وتقليل قيمة الدين في المجتمع الحديث. فيبر يصف المجتمع الحديث بأنّه جافّ وبيروقراطيّ وعَلمانيّ، ويصف التطور والتفوق العلمي على أنهما أكثر قيمة من الايمان، ولكن فيبر يقترح علينا نقد هذا أيضًا، ويقول إنّ العالم "ما يزال حديقة ساحرة كبيرة". عند مشاهدة فيلم الأسد الملك بصيغة 2019، مباشرة فكّرت بأنه أكبر تمثيل لمصطلح Disenchantment. هذا الفيلم تمكّن من نزع كل السحر عن عالم الأسد الملك.
بهذه المناسبة، ندعوكم جميعًا لمشاهدة فيلم الأسد الملك، بصيغة الرسوم المتحركة من عام 1994، ومناقشته مع أطفالكم وزملائكم وأصدقائكم. هذا الفيلم يستحق كل مشاهدة إضافية. وكذلك ندعوكم لتناسي صدور الفيلم مجددًا في دور العرض، فهذا الفيلم يفتقر لأيّ أهمية أو قيمة إضافية.
تعليقات (0)
إضافة تعليق