حكايا

فستان الطفلة روان يذكرها بنار جهنم!


فستان الطفلة روان يذكرها بنار جهنم!
خسارة أننا وصلنا إلى هذه الحال، وخسارة أن المتابعة الأولى للنصوص وهي دور النشر، سمحت باصدار نص يستعمل هذا النهج في التربية
كتب: لؤي وتد

كتاب "فستان روان" هو مثال لمحاولات اصدار أدب أطفال جيد بنوايا حسنة ولكن بنتائج أقل ما يُقال عنها إنّها ضعيفة. ضعف الكتاب لا يتمركز في جانب واحد له، بل هو موجود في كل جوانب الكتاب دون استثناء، ان كان في النص ولغته وبناء شخصياته وتماسكه؛ وإن كان في التصميم واختيار موقع الكلمات وطباعة النص، أو الرسومات وملاءمتها للنص، وغيرها الكثير.
صدر "فستان روان" عن "دار الهدى للطباعة والنشر كريم" من تأليف محمد علي فقرا ورسومات آلاء حلومي. للأسف، كما هو متّبع في الكثير من دور النشر المحلية، دار الهدى كريم اختارت هذه المرة أيضاً التنازل عن كتابة سنة إصدار الكتاب على صفحاته الأولى، لذلك نحن لا نعرف ان كان هذا الكتاب جديدًا أم قديمًا، صدر في عام 2017 أم في عام 1917، ان كانت هذه طبعته الأولى، أم طبعته العاشرة. ولكن موضوع سنة الاصدار وتوثيقها هو موضوع آخر سوف نتطرق إليه بتوسّع في مقالة أخرى.

تناولت الكتاب صفحات ومجموعات الفيسبوك قبل أسابيع قليلة، متطرقة بالأخص لاقتباس "أحب اللون الأحمر.. لأنه يذكرني بالآخرة ونار جهنم وعندها أخاف ربي.. فلا أرتكب الأخطاء والذنوب"، وفتحت نقاشًا حادًّا حول موضوع مسؤولية الناشرين وامكانية وجود أجسام مهنيّة تتعامل مع النصوص ومع نوعيتها التربوية والقيميّة. كتبت احدى المشاركات في مجموعة "نسويات عربيات" المحلية: "هذا كتاب اطفال، الكاتب والناشر والي بشتري والي ببيع هني محليين ساكنين بيناتنا. هذا التفكير الارهابي الي وظيفته فقط يرهب ويخوف ويسود عيشتنا من جيل صغير، وفوقها الترهيب الديني الي بعلم اطفالنا من جيل صغير انو اخرتهم نار وتشلوط وعذاب، وبعلم طفلاتنا يخافو من جسمهم، لبسهم وحالهم. هيك اشي بمرق مر الكرام بالمكاتب؟ هاي الثقافه المحليه تبعتنا؟" (الأخطاء اللغوية في المصدر). وفي مجموعة أخرى كتب آخر: "تفضلوا شو لقيت اختي الي بصف الثاني بتقرأ.. القصه محليه ودار نشر محليه... دا*ش باقيه وتتمدد".
يحكي النص قصة روان، طفلة صغيرة تحصل على فستان كهدية من والدتها بمناسبة عيد ميلادها. في البداية تقول روان لأمها "آه كم هو جميل يا أمي" وتضيف "لقد أعجبني كثيراً يا أمي.. خاصة أنه هدية منك ويحمل الألوان الجميلة.." وتبدأ روان بتفصيل ألوان الفستان وعلاقتها بكل لون. تبدأ روان بعلاقتها في اللون الأحمر: "أحب اللون الأحمر.. لأنه يذكرني بالآخرة ونار جهنم وعندها أخاف ربي.. فلا أرتكب الأخطاء والذنوب."
تستمر روان وتتطرق لعلاقتها بالأصفر الذي يذكرها بطلوع الشمس كل صباح فتحمد ربها أنه أعطاها يوماً جديداً، والأزرق الذي يذكرها بلون البحر الواسع الذي يعطيها الحياة والأحياء البحرية لتأكلها، والأبيض الذي يرمز "للطهارة والنقاء وصفاء القلوب" والأسود "يذكرني بالليل وهدوئه.. والخلود إلى السكينة والراحة." (هذه الاقتباسات حرفية كما وردت في النص).
فجأة تغضب روان وتضع الفستان جانباً وتقول إنّ الفستان لا يعجبها وتطلب من أمها إرجاعه إلى الدكان بادعاء أن الفستان ينقصه اللون الأخضر ("لون سهولنا الخضراء الجميلة.. لون غصن الزيتون الذي حملته حمامة نوح عليه السلام"). تأخذ الأم الفستان إلى الصباغ – الذي يصبغه كله في الأخضر، فتغضب روان مرة أخرى: "لا لا أريده!! فأنا لا أوافق.. على أن تفضلي لوناً على لون.. كما لا أوافق على أن تفضل.. الأم إبنا على باقي أبنائها" (نعم، هذه كلمات الطفلة الصغيرة روان). تعود الأم مرة أخرى إلى الصباغ وترجع إلى روان بفستان يحمل باقي الألوان ويشمل الأخضر.

لا أعرف من أين يمكن أن نبدأ. نص يحكي للأطفال عن الألوان هو نص لأجيال 2-4 سنوات، وقد يناسب 5 سنوات في حالات خاصة ولكن ليس أكثر من هذا. ولكن أطفال بأجيال 2-4 لا يمكن أن يتذكروا "نار جهنم" في كل مرة ينظرون إلى اللون الأحمر. نهج التخويف والترهيب للتربية هو نهج انتهى من أدب الأطفال مع انتهاء القرن التاسع عشر، ولم يعد نهجاً متّبعاً في أي أدب سوى أدب الأطفال الديني المتطرف. لا أقول إنّ نص "فستان روان" هو نص من هذا النوع، ولكنه بهذه الجملة، يختار النص أن يصنف نفسه ونهجه مع نفس تصنيف هذا الأدب. خسارة أننا وصلنا إلى هذا الحال، وخسارة أن المتابعة الأولى للنصوص وهي دور النشر، سمحت باصدار نص يستعمل هذا النهج في التربية.
لست أعارض التربية الدينية من خلال أدب الأطفال، فهناك نصوص تربوية دينية رائعة للأطفال، بل أعارض وبشدة، أي أدب يتّخذ التخويف والترهيب بنار جهنم نهجاً تربوياً حتى لو كانت نواياه حسنة.
مصطلح آخر يعتبر سيفًا ذا حدّين في النص هو مصطلح "الخلود إلى السكينة والراحة". حسناً، ربما كان كقصد المؤلف من هذه الكلمات الربط بين الليل والنوم، ولكن السكينة والخلود إليها مرتبطة عند الكثير من القراء البالغين للنص في موضوع آخر وهو الموت. إذا لماذا اختيار كلمات مشحونة إلى هذه الدرجة؟ لماذا لا "يذكرني بالليل وهدوئه والخلود إلى النوم في نهاية اليوم"؟ ان كنّا نقرأ القصة لأجيال 2-4، لماذا نتحدث إليهم بهذه اللغة؟ لماذا نتوقع أنهم يعرفون مصطلحات مشحونة مثل السكينة؟

أعارض وبشدة، أي أدب يتّخذ التخويف والترهيب بنار جهنم كنهج تربوي حتى لو كانت نواياه حسنة

أما بالنسبة لأحداث القصة نفسها، فأي طفلٍ يتحدث هكذا مع والدته ويرسلها مرتين لاستبدال هدية؟ ما المنطق في هذه الرسالة للأطفال؟ وأي طفلٍ يعطي نصائح تربية أطفال لوالديه؟ "لا أوافق على أن تفضل.. الأم إبنا على باقي أبنائها"؟ قد يكون النص نصاً ما بعد حديث وفيه يتغلب الأطفال على البالغين، ولكن حتى في هذا النوع من النصوص لا يعرف الطفل عن التفضيل بين الأبناء أكثر من الأهالي ويعطيهم نصائح حول الموضوع!
ثم ان كانت الطفلة ذكية إلى هذه الدرجة لماذا ناقضت نفسها حين أحبت الفستان "كثيراً" وبعد عدة لحظات غضبت وقالت إنه لا يعجبها؟ بكلمات أخرى، بناء أحداث القصة غير منطقي بالذات أن بناء الشخصيات يتناقض مع تصرفاتها. اختيار الكلمات واللغة التي يتحدث بها الكتاب مع الأطفال غير مناسبة للأجيال التي يتوجه إليها النص بناءً على موضوعه.
وفي موضوع الرسومات وتصميم الكتاب، لا يمكننا تجاهل وجود خنفساء في كل الصفحات من غير أي حاجة أدبية أو تربوية أو حتى نفسية أتمكن من الوصول إليها لدور هذه الشخصية. عادةً اضافة شخصية كهذه إلى الرسومات من غير وجودها في النص وحضورها في جميع الصفحات يأتي بهدف بسيط جداً وهو إضفاء الأمان والطمأنينة عند الطفل بالذات في اللحظات التي يكون في النص تهديد معين على الشخصية البطلة التي يتواصل معها الطفل القارئ. في هذا النص ليس هناك أي تهديد ملحوظ على الطفلة – بل هي من "تهدد" شخصية الأم.
غالبية الأحداث في القصة تحدث في غرفة روان وهذا شرعي ومقبول ولكن في حالة كهذه يجب التنويع في زوايا النظر على الأحداث ولا يمكن تصوير كل المشاهد من نفس الاتجاه لكي لا يملّ الطفل منها – فلنتذكّر أن النص المرسوم هو النص المقروء في أعين الطفل، وعندما يقرأ ذات الرسمة في كل صفحة، يشعر بأن الكتاب لا يتحرك.
لن أتطرق لجمالية الرسومات وقدرتها الهشّة على تصوير الطفلة الفلسطينية، المؤمنة في حالة "فستان روان"، وأبقيها لأعينكم وذوقكم الخاص.
ويبقى موضوع واحد لابد من التطرق إليه في هذا الكتاب، وهو تصميم الكتاب النهائي قبل الاصدار. عندما يضيف المصمم النص المكتوب للرسومات عليه أولاً ايجاد مكان واضح ومقروء ومناسب لالصاق النص. ما حدث في "فستان روان" هو مجرد عمل هاوٍ وغير مهني بتاتاً في هذا المجال، حيث تم الصاق الكلمات على خلفية غامقة تصعب من قراءة الكلمات، وفي الحالات الأصعب للقراءة تم تقليص الرسمة أو قصّها بصورة مزعجة جداً كما ترون في هذه الأمثلة:

باختصار، هذه وجهة نظري الشخصية لكتاب "فستان روان". أرى فيه رمزاً للاستخفاف والاستهتار بقدرات الطفل النقدية وذوقه الرفيع في كل ما يتعلق بالأدب والفن الذي يُقدّم إليه. ومرة أخرى أذكر أن المسؤولية كلها على دور النشر التي تسمح لنفسها باصدار كتب كهذه تحمل رمزها التسويقي واسمها من غير أي تحرير وجدية في الاصدار. أتوقع من دور النشر أخذ المسؤولية والبدأ بالتعامل مع أدب الأطفال بالرقي والقيمة والجدية التي يستحقها، فلا أظن أن هناك أمًا قد تشتري لابنتها فستاناً بهذا الشكل وهذه الألوان!

تعليقات (1)

  • اسماء البابطين (not verified)

    شكرا على هذه اللفتات المهمة للاسف الشديد ينقصنا الكثير لنخرج الادب الديني بصورة زاهية محببة عصرية

إضافة تعليق