حكايا

كيف أقرأ القصص لأطفالي؟


كيف أقرأ القصص لأطفالي؟
تتميّز القراءة للأطفال بكونها مغامرة مشتركة للقارئ والمستمع، ولهذا تُعتبر مهارة تحتاج لتقنيات وتجربة لإتقانها والاستمتاع بها
كتب: لؤي وتد
كيفية قراءة القصص للأطفال

قراءة قصص الأطفال لها مميزات تختلف تماماً عن قراءة الأدب بشكل عام؛ ففي حالة القراءة للأطفال (المستمعين) هناك عامل مركزي يغيّر الصورة، وهو وجود المستمعين. هذا العامل يفرض على القارئ، أولًا، أن يقرأ بصوت عالٍ، وثانياً أن يتعاون مع المستمعين لكي تنجح عملية القراءة وتحقق أهدافها. قراءة قصة للطفل هي عملية تعتمد بالأساس على تعاون بين القارئ والمستمع، وفي هذا الحالة نحن نتحدّث عن أحد الوالدين أو كلاهما كقارئ، والطفل أو الأطفال كمستمع. ليست هناك طريقة واحدة ووحيدة لقراءة القصة للطفل، بل تتعلّق الطريقة بشكل مباشر بشخصية كل مِن القارئ والمستمع، ولكن في هذا النص سنعرض بعض النصائح المركزية للقراءة الممتعة والشيّقة والمفيدة للطفل.

قبل القراءة

قبل التطرق لنصائح كيفية قراءة القصص للأطفال، هناك أهمية للمرحلة المسبقة للقراءة، وهي مرحلة قراءتك للقصة قبل قراءتها للطفل:
1) معرفة مدى ملاءمة القصة للطفل؛
2) معرفة كيفية عرض القصة له؛
3) معرفة المكان الذي يجب أن تتوقف فيه عن القراءة لكي تعطي الطفل إمكانية للتمعّن والتفكير بالقصة وتطوّرها.
قبل بداية قراءة النص، هناك أهمية كذلك لإدخال الأطفال إلى عالم النص وجوّ القراءة الأوليّ. لترتيب هذا الجوّ، على القارئ أن يبدأ بالحديث مع المستمعين عن الكتاب الذي بين يديْه. هذا الحديث يمكن أن يتطرّق لعدة مميزات يحملها الكتاب الذي يستعد المستمعين للاستماع اليه، مثل:
أ. الرسومات على الغلاف الخارجي للكتاب، إذ يمكنك التساؤل مع أطفالك ماذا يتوقعون أن يحصل في الكتاب، اعتمادا على الرسومات في الغلاف؛
ب. عنوان الكتاب، وعلى ماذا يدلّ. هل يضيف للتوقعات من البند السابق؟
جـ. اسم الكاتب والرسام، وهل قرأنا مسبقاً قصصًا لأيٍّ منهما؟ هل سمعنا بأسمائهما سابقاً؟
د. توفير خلفية عن أحداث القصة أو مكان حدوثها، إن كانت هناك حاجة لذلك (بناءً على القراءة المسبقة). تكون الحاجة كبيرة لهذه المقدمة عندما يكون في الكتاب تطرّق لمعلومات مسبقة يجب أن يعرفها المستمع، مثل حدث تاريخي، حقيقة علمية، شخصية مشهورة أو غير ذلك.
هـ. نصيحة إضافيّة، هي إعطاء خلفية كذلك عن نوع النصّ (كوميديّ، دراميّ، ملحميّ، بوليسيّ وما إلى ذلك)، ويمكن نقاش مدى موافقة الأطفال على هذا التصنيف بعد الانتهاء من القراءة.

قبل بداية قراءة النص، هناك أهمية لادخال الأطفال إلى عالم النصّ وجوّ القراءة الأوليّ. لترتيب هذا الجوّ، على القارئ أن يبدأ بالحديث مع المستمعين عن الكتاب الذي بين يديه.
خلال القراءة

خلال القراءة، هناك أهمية لإكمال الحديث الذي بدأ مسبقاً حول النصّ. أولاً، لملاءَمة التوقعات مع الأحداث، وثانياً للتعمق أكثر فيها. لهذا السبب على القارئ أن يشارك الأطفال في القراءة من خلال سؤالهم عن الأحداث والرسومات وتوقعاتهم، ومدى فهمهم لسير الأحداث حتى تلك النقطة، بالاضافة لإعطائهم الفرصة الكاملة لسرد القصة من البداية حتى النقطة التي توقف فيها القارئ، ومشاركة توقعاتهم للأحداث القادمة للقصة. في حالة كان الأطفال يعرفون القصّة، يمكن أن نزيد على ذلك، كيف كان من الممكن أن يعيدوا صياغة القصّة، أو يغيّروا أحداثها.
هذه التقنيات تساعد الطفل كثيرًا على تطوير تفكيره المجرّد وخياله الحُرّ، بالإضافة إلى كونها تزيد من تركيز المستمعين وتشجّعهم على التعبير بكلماتهم عن عالمهم الداخلي وكيفية فهمهم وقراءتهم لأحداث القصة. يجب أن نتذكر أنّ الأطفال في الكثير من الأحيان يفهمون أكثر ممّا يستطيعون أن يعبروا بالكلمات، ولذلك فإنّ تشجيع قدرتهم على التعبير عن النفس والاستماع إليهم بتمعّن وإصغاء صادقيْن، يزيدان من عالمهم اللغويّ وتواصلهم مع ذاتهم. وأخيرًا، يجب أن نتحقق من فهمهم اللغويّ للنصّ، والاستعداد للردّ على جميع أسئلتهم، اللغوية والفضولية، حتى لو كانت الاجابة "لا أعرف، ولكن لنبحث الموضوع معًا"، شريطة أن تبحثوا في الموضوع حقًا.

قراءة قصّة للطفل هي عملية تعتمد بالأساس على تعاون بين القارئ والمستمع
بعد الانتهاء من النص

يعتقد الكثيرون أنّ قراءة القصة للأطفال تنتهي بقراءة الكلمات الأخيرة من النصّ. ولكن، وكي يتم استيعاب جميع مركّبات القصة وعملية قراءتها، على القارئ والمستمعين الحديث عن القصّة وإحيائها من جديد بعد الانتهاء من قراءة النصّ نفسه. يجب توفير الإمكانيّة للأطفال للتعبير عن أفكارهم حول القصة وحول مبناها، حول مغزاها وحول أحداثها. هناك أهمية كذلك لقراءة القصّة وملاءمة أحداثها لحياتهم الخاصّة، إن كانوا قد مرّوا بأحداث مشابهة، وكيف تعاملوا مع الأمور حينها، أو غير ذلك من محاولات الربط والتجسير بين القصّة وحيواتهم الخاصة.
بعد الانتهاء من القصة، هناك أهمية لمناقشة التوقعات التي كانت عند الطفل في البداية، بالاضافة للاستماع لرأيه في ما جرى في القصّة وسير أحداثها. مناقشة الخيارات التي اتخذتها الشخصيات في القصة، تضفي على القصّة توجّهًا جديدًا بالمفهوم النفسانيّ والاجتماعيّ إذ يبدأ الطفل بتطوير تقنيات لفهم تصرّفات الآخر وتقبّله أكثر. التعلم من الآخر هو جزء لا يتجزّأ من تعلم الطفل بحسب علم النفس؛ فالطفل لا يتعلم فقط من التجارب التي يخوضها بنفسه، وإنّما من تجارب الآخرين التي يشاهدها أو يتخيّلها، أيضًا، كما في القصة مثلاً. نقاش هذه التجارب هو أداة مفيدة جدًّا لتطوير القيم المختلفة وبلورتها بوضوح في نفس الطفل.
ينصح الكثير من المختصين بالتطرّق للفوائد وللمغزى من القصّة ومناقشتها بعد الانتهاء من قراءتها، ولكن هناك رأي آخر في المجال يَدّعي أنّ في مناقشة المغزى للقصّة هناك توجيه وتلقين له، بدلاً من إعطاء الطفل فرصة للتفكير فيه وإيجاده وحده. لذلك ينصحون بمناقشته فقط بعد قراءات متعدّدة للنصّ، بعد أن تمكّن الطفل من التفكير في القصّة والتعمق فيها بشكل فرديّ، أولاً. يبقى في النهاية القرار في هذه القضية بيد القارئ، لأنّ الطفل يتوقّع في الكثير من الأحيان أنّ هذا هو السؤال المركزيّ الذي سيسمعه بعد الاستماع إلى القصّة، فيبدأ بالاجابة عليه... عندها هناك حاجة مباشرة لمناقشته.

نصائح عامة:

1. ترتيب الجلوس: الهدف المركزي من ترتيب الجلوس هو أن يتمكن كلّ الأطفال المستمعين من مشاهدة رسومات الكتاب. بالاضافة لذلك يجب أن يشعر الأطفال بالراحة في وضعية جلوسهم لكي لا يضرّ الأمر بتركيزهم أو بتواصلهم مع عملية القراءة.
2. تعابير الوجه: على القارئ أن يعبر عن تواصله الشخصي مع أحداث القصة من خلال تعابير وجهه بنفسه. فمثلاً عند قراءة حدث محزن أو مفرح أو مربك، عليه أن يعبر عن ذلك بشكل واضح. أولاً من أجل زيادة حضور أحداث القصّة للأطفال، وثانيًا من أجل زيادة تواصلهم مع القصة وتجسير أحداثها لهم، وبالأخص الأحداث العاطفية والانفعالية.
3. نبرة الصوت: أسوةً بتعابير الوجه، على القارئ ملاءمة نبرة صوته كذلك لأحداث القصّة، ومحاولة تغيير صوته قدر الإمكان لتمثيل شخصيات مختلفة في القصّة. لا يعقل أن يقرأ ما تقوله شخصية طفلة صغيرة، بنفس الصوت الذي يقرأ فيه ما تقوله شخصية الجدّ المُسنّ مثلاً، فهذا يبعد القصة ويصعب التواصل مع أحداثها.
4. وتيرة القراءة: قد تكون نصيحة إضافية وكمالية، ولكنها تضفي رونقاً على القصة وتزيد من متعة الاستماع اليها. عند قراءة النص، ننصح بملاءَمة وتيرة أو سرعة القراءة لأحداث القصة، فمثلاً عند قراءة وصف مملّ، يمكن زيادة سرعة القراءة (أو إضافة حركة في الأيدي لزيادة محسوسيّة الوصف). أو مثلاً عند قراءة أحداث مثيرة، يمكن إبطاء وتيرة القراءة، لزيادة الإثارة وزيادة تركيز المستمعين وانصاتهم، وحتى دفعهم للجلوس على حافة مقاعدهم متلهفين لسماع ما قد يحدث.
5. حبّ القارئ للقصة: لا شكّ بوجوب قراءة القصة مسبقاً على يد من سيقرأها للأطفال، ولكن بالاضافة إلى ذلك، لكي ينجح في عملية قراءتها للأطفال بشكل ناجع، عليه أن يحبّ القصة. أحياناً لا يكون هذا خيار متاح، ولكن يجب على القارئ على الأقل أن يجد ما يحبه في هذه القصة، لسبب بسيط، وهو أنّ الأطفال يشعرون بعلاقة القارئ مع القصة. يشعر الأطفال ما إذا كان قارئ القصة يقرأها عن حب وتواصل معها، أم مجرد إسقاط واجب لكي يقرأ قصّة لهم. لذلك عليه أن يختار بالذات القصص التي يحبّها، وهكذا لا شكّ بأنّه سيبدع أكثر بقراءتها.
6. ونصيحة أخيرة: انتبه! لا تقرأ "للأطفال"، بل "اقرأ معهم". لا تقسم الوظائف بينك وبين الأطفال، أنت تقرأ وهم يشاهدون الرسومات، بل الفت انتباههم للنصّ نفسه ولوتيرة القراءة. تذكّر أنك بالاضافة للمتعة في القراءة، تريد تلقينهم ثقافة كاملة من القراءة.

قراءة ممتعة، لكم ولأطفالكم

تعليقات (0)

    إضافة تعليق