الأطفال العربيّ، مثله مثل أدب الأطفال العالميّ، ما زال يتحفّظ من التطرّق للكثير من المواضيع الحسّاسة. فالتطرّق لظاهرة التحرّش الجنسيّ في الأدب الموجَّه للصغار شبه معدوم في العالم العربيّ، ولا بدّ من توعية الأطفال والأهالي لخطر هذا التحرّش. في السنوات الأخيرة نشهد نصوصًا طلائعيّة تتطرّق إلى الموضوع في الدول العربيّة، ولذلك سنعرض التجارب الأولى التي توجّهت للطفل وحاولت أن تعلّمه كيف يدافع عن جسده ويتحدّث بلا خجل أو خوف عمّا يحصل معه.
أول النصوص التي لا بدّ من التطرّق إليها، هو كتاب "خط أحمر" للكاتبة اللبنانية سمر محفوظ برّاج الصادر سنة 2014، عن دار السّاقي اللبنانيّة. يُعتبر "خط أحمر" كتابًا لبنانيًّا مركزيًّا في التعامل مع توعية الأطفال للتحرّشات الجنسية. جاء الكتاب ليتعامل مع موضوع الحرج السائد لدى الكثير من الأهالي في العالم العربيّ، وبالذات في الأجيال الصغيرة. في الكتاب، يتعرّف الأطفال على شخصية مازن في حوار مع والدته عن الممنوعات والخطوط الحمراء في حياتنا، التي يجب علينا أن نحذر تجاوزها.
جاء في الكتاب مثلاً: "الخطّ الأحمر للسيارات؟ يعني مثل الإشارة الحمراء؟ سأل مازن. هناك خطوط حمر أخرى… أهمّ، ردّت ماما، الوطن خطّ أحمر… البيت والعائلة خطّ أحمر… جسمك أيضاً خطٌّ أحمر…".
في السنوات الأخيرة نشهد نصوصًا طلائعية تتطرّق إلى موضوع التحرّشات الجنسيّة في الدول العربيّة
كتاب آخر صدر في سنة 2015، في القاهرة، هو كتاب "الهدية المرفوضة.. كيف نحمي أولادنا من الإيذاء الجسديّ؟" للكاتبة ماري رمسيس. الكتاب هو مجموعة قصصيّة قصيرة للأطفال، تتطرّق كلها لموضوع التوعية للتحرّشات الجنسية، وما يميّزه بشكل خاص كونه كتابًا تلوينيًّا وقصصيًّا وحواريًّا في الوقت نفسه. الكتاب يناسب الأجيال من سنّ 3 إلى 12 سنة ويوعيهم ويعلمهم كيفيّة حماية أنفسهم من التحرّش الجنسيّ والإيذاء الجسديّ. وصفت المؤلفة كتابها بأنه كتاب عن كيفية حماية أولادنا من الإيذاء الجسدي، وهو مهم الآن في ظلّ أحداث التحرّش المنتشرة بين أطفالنا في مصر. المؤلفة ماري رمسيس هي أخصائية ومحاضرة في التربية وتعديل السلوك والتنمية البشرية والأسرية، في مصر.
كتاب عن كيفية حماية أولادنا من الإيذاء الجسديّ، وهو هامّ الآن في ظلّ الأحداث المنتشرة عن التحرّش بأطفالنا
في شهر حزيران 2016، صدر أول كتاب أطفال ليبي يتعامل بشكل مباشر مع موضوع التوعية للتحرشات الجنسية للمؤلف سامي الجوادي مدير "جمعية نور الحياة للأعمال الخيرية" ورسومات أية هشكل. عنوان الكتاب هو "لا تلمسني، جسمي ملكي أنا"، ويتميز بكونه بسيط الطرح ومبنيًا على صورة نصائح يحكيها الأطفال لبعضهم البعض. ليس في الكتاب تخويف للطفل، كما يحدث كثيراً في التعامل مع هذا الموضوع.
في كتاب "لا تلمسني، جسمي ملكي أنا" نتعرف على التوأميْن سليم وسليمة، اللذين ببساطة وطرافة يكلمان الاطفال عن ذكرياتهم الجميلة وعن القيم المختلفة التي تربيا عليها وتعلماها من والديهما، وفي أولها، "إنهم غاليين ومحبوبين ولهم قيمة".
يدعو الكتاب للتعامل مع مواضيع يفتقر إليها أدب الأطفال في العالم العربيّ، ويربي على قيم مميّزة؛ ففيه نرى نصائح مختلفة تشجّع على تصرفات تمنع الطفل من المخاطرة بالتعرّض للتحرشات الجنسية، مثل أنّ للطفل حقًّا كاملًا على جسده ولا يحقّ لأحد أن يلمسه، وكما جاء في الكتاب: "مش من حق أي شخص يشوف هذه الاماكن أو يلمسها". الكتاب يصقل شخصية الطفل ويشجعه على مواجهة مواقف قد تؤدّي للتحرّش الجنسيّ، وإذا كان قد مرّ بها، فإنّ الكتاب يشجّعه على مشاركة ما مرّ به للحدّ منه.
يقول سامي الجوادي: "يجد كثير من الأهالي صعوبة في التحدّث مع أطفالهم في هذه المواضيع، رُغم أهميتها الكبيرة جدًا، ومن هنا تقع على عاتق المعلمين والأخصائيّين الاجتماعيّين والأكاديميّين والخبراء والأطباء والمؤسّسات الاجتماعيّة والنفسانيّة والتعليميّة والتثقيفيّة والنشطاء في المجتمع المدنيّ والصحفيّين والمؤلفين والكتاب، مهمة الاضطلاع بدور التوعية بهذه القضيّة الحسّاسة".
تعليقات (0)
إضافة تعليق