بحث جديد في جامعة بادوفا يبرهن أنّ من ترعرع في بيئة غنيّة بالكتب يبلغ ليكون أغنى من غيره، وذا دخل أعلى في المستقبل. فقد نشر باحثون، مؤخرًا، مقالاً علميًّا جديدًا في المجلة العلميّة "Economic"، يعرض دراسة تابعت 6,000 شخص منذ منتصف القرن العشرين وحتى اليوم، من 9 دول في العالم، تثبت أنّ من ترعرع في بيئة غنيّة بالكتب، يكبر ويبلغ ليكون أغنى من الناحية المادية، من ذلك الذي ترعرع في بيئة فقيرة بالكتب.
وتثبت الدراسة أنّ كمية الكتب في البيئة القريبة التي يترعرع فيها الطفل، تؤثر على ربحه الماديّ المستقبليّ. ويتم تفسير نتائج البحث بعدة إمكانيات، أولاها أنّ البيئة الغنيّة بالكتب تشجّع على القراءة أكثرَ من غيرها، ما يؤدّي لزيادة احتمال النجاح في الدراسة وبالتالي إلى النجاح الماديّ في المستقبل. ولكن قد يجري تفسير النتائج بأنّ البيت الغنيّ بالكتب هو أصلاً بيت غنيّ أو ميسور من الناحية الماديّة، ما يؤدّي إلى توفير امكانيات نجاح أكبر من غيره لأبنائه.
لا يمكننا الحديث عن الوراثة الثقافيّة التي تؤدّي بدورها إلى وراثة مادية، من غير ذكر عالم الاجتماع الفرنسيّ بيير بوردييه، ونظريته عن التطبّع والولادة في حقل اجتماعيّ معينّ. فيقول بوردييه إنّ البيئة التي يترعرع فيها الفرد، تُكسبه، بشكل غير واعٍ ولا إرادي، سُبُلاً ولغة اجتماعية تتناسب مع طبقته الاجتماعيّة. هذه اللغة والموروثات الاجتماعية تكسب الفرد إمكانية تدبّر أموره الاجتماعيّة ليكمل مسيرته ويحافظ على طبقته الاجتماعيّة.
ونحن أنّ هذه السيرورة تكرّر نفسها في أدب الأطفال، من خلال نصوص الأميرات اللاتي يُولدنَ بشكل عام في قصر ويترعرعنَ فيه، حتى تبدأ القصة ونراها تسقط من أعلى عرشها لمرافقة عامة الشعب في حياتهم البسيطة. تتحوّل الأميرة المدللة بليلة وضحاها، إلى خادمة من عامة الشعب، ولا تنتهي القصة إلا بعودتها إلى حضن والديها في القصر وتحقيق قدرها كابنة الطبقة البرجوازية الغنية. بيضاء الثلج في غالبية النصوص كبرت في القصر حتى قرّرت زوجة أبيها التخلّص منها، وسندريلا وأورورا (الأميرة النائمة) يشاركانها المصير نفسه، إلى أن ينقذهما الأمير ويعرف مباشرةً أنهما لا تناسبان حياة العامة بل تناسبان قصره كأميرتيْن منذ الصغر.
البيئة التي يترعرع فيها الفرد تكسبه، بشكل غير واعٍ ولا إراديّ، سُبُلاً اجتماعية ولغة اجتماعية تتناسب مع طبقته الاجتماعيّة
ما ينقص هذه النصوص التي أدركت حقيقة الموروث الثقافيّ منذ مئات السنين، هو ذكر وجود الكتب في طفولة كلٍّ من الأميرات المذكورات. فهل يصحّ القول إنّ الدراسة تتكلم عن القراءة في الصغر فقط؟ أم أنها تكرر نصوص الأميرات بغطاء مختلف وغير مباشر؟
دراسات أخرى سابقة تعطي تفسيرًا آخر للظاهرة بادّعاء أنّ القراءة في الصغر توسّع الآفاق وتمكّن الطفل من النموّ الفكريّ، أكثر من الأطفال غير القارئين. توسيع الآفاق يشكّل أيضًا تشجيعًا للخيال عند الأطفال، ما يؤدّي بدوره إلى تشجيع المبادرة والتمكّن من النجاح الاجتماعيّ والاقتصاديّ بالقدرات الفكرية.
تتحوّل الأميرة المدللة بليلة وضحاها، إلى خادمة من عامة الشعب، ولا تنتهي القصة إلا بعودتها إلى حضن والديْها في القصر، وتحقيق قدرها كابنة الطبقة البرجوازيّة الغنيّة
تعليقات (0)
إضافة تعليق