حكايا

أدب الناشئة: لا أطفال ولا بالغين!


أدب الناشئة: لا أطفال ولا بالغين!
يختلف تاريخ تطوّر أدب الناشئة بين العالم العربيّ والعالم الغربيّ بشكل عامّ. ونرى في العالم العربيّ تطورَ أدب الناشئة بصورة أدب بوليسيّ وأدب خيالٍ علميٍّ أو ما كان يُسمى في الماضي "الألغاز"

أدب الناشئة هو فئة جديدة في الأدب، ونُسمّيه كذلك أدب الفتيان أو أدب الشباب. يمكن تعريف أدب الناشئة بأنّه الأدب الذي لا يناسب الأطفال بشكل تامّ، ومن الصعب تعريفه كأدب للكبار. إنّه أدب الانتقال من مرحلة الطفولة إلى مرحلة البلوغ.
في التعريف المتفق عليه في علم النفس، فترة الشباب هي فترة الانتقال من الطفولة إلى البلوغ، وفيها تتمّ تربية الشخص وتحضيره ليصبح عضوًا مشاركًا وناشطًا في المجتمع. المصطلح "شباب" أو "ناشئة" هو مصطلح اجتماعيّ ثقافيّ متغيّر من مجتمع إلى آخر، بالرغم من أنّ التغيّرات الفيزيولوجيّة المرتبطة فيه هي عالميّة. فترة جيل المراهقة هي أحد المميّزات المركزيّة لهذه الفئة المجتمعيّة، ولها تأثيرات مختلفة على الشخص: فيزيولوجيًّا وإدراكيًّا واجتماعيًّا وأخلاقيًّا.
يختلف تاريخ تطوّر أدب الناشئة بين العالم العربيّ والعالم الغربيّ بشكل عامّ. ونرى في العالم العربيّ تطورَ أدب الناشئة بصورة أدب بوليسيّ وأدب خيالٍ علميٍّ أو ما كان يُسمى في الماضي "الألغاز". تمركزت بداية تطوّر أدب الناشئة في العالم العربي بإصدار سلاسل الروايات المصريّة للجَّيْب على يد المؤسّسة العربيّة الحديثة للطباعة والنشر التي نصبت لها هدفًا واضحًا ومباشرًا وهو أن تصدر "مشروع القرن الثقافيّ". أول من أصدر هذه الكتابات في ثمانينات القرن السابق كان الدكتور نبيل فاروق والدكتور أحمد خالد توفيق.

تمركزت بداية تطوّر أدب الناشئة في العالم العربي بإصدار سلاسل الروايات المصريّة للجَّيْب على يد المؤسّسة العربيّة الحديثة للطباعة والنشر، وكان د. نبيل فاروق ود. أحمد خالد توفيق رائدي المجال

أشهر إصدارات الدكتور نبيل فاروق هي سلسلة "رجل المستحيل" (174 عددًا) وسلسلة "ملفّ المستقبل" (160 عددًا). بلورت السلسلتان ثقافة شباب الثمانينات والتسعينات في مصر بشكل خاصّ، وفي العالم العربيّ بشكل عام، إذ أصبح البطلان الضابط أدهم صبري والمقدّم نور الدين محمود، بطليْن وطنيّيْن في الذهن المصريّ ينتظر الشباب قصصهم بفارغ الصبر. أمّا الدكتور أحمد خالد توفيق فقد كان مسؤولًا عن سلسلة فانتازيا وسلسلة ما وراء الطبيعة.
بدأ هذا الأدب بالتبلور في العالم الغربيّ، كما في العالم العربيّ، في ثمانينات وتسعينات القرن السابق. ونجد لهذا الأدب تعريفات مختلفة في الدراسات، إلا أنّ أكثرها انتشارًا يتطرّق إلى هذا الأدب تحت إطار أدب "الشباب-البالغين" أوYA- young adults . هذا الأدب هو أدب من هُم أكبر من أن يكونوا أطفالًا، إلا أنّ المجتمع ما زال يعتبرهم غير بالغين. وكانت جائزة ميخايل برينتز أوّل جائزة عالميّة تتخصّص بشكل حصريّ بفئة أدب الشباب، وجرى منحها أوّل مرّة عام 2000، من أجل دفع تطوير هذا الأدب.

فترة الشباب هي فترة الانتقال من الطفولة للبلوغ وفيها يُربى الشخص ويحضر ليصبح عضوا ناشطا في المجتمع

في بداية الألفية الثالثة، وفي أعقاب تطوّر وسائل التواصل الاجتماعيّة التي تجتاح العالم، حصل الشباب على شرعيّة كبيرة بالتحدّث وإسماع أصواتهم، وأدّت هذه التغيّرات إلى حدوث تغيّر كبير، أيضًا، بنوع الأدب الصادر لهذه الأجيال. وبدأ أدب الشباب البالغين بالتحوّل إلى أدب ثوريّ وأدب نضاليّ من أجل العدالة الاجتماعيّة والتغيير المجتمعيّ، كي يكيّف نفسه مع احتياجات الشباب المجتمعيّة.

المدينة الفاسدة

بدأ أدب الناشئة الثوري يجنح نحو التمركز في الديستوبيا (Dystopia)، أو أدب المدينة الفاسدة (بعكس المدينة الفاضلة). ويتطرّق هذا النوع الأدبيّ بشكل عام (وبوضوح) إلى العدل الاجتماعيّ والنقد السياسيّ تجاه السلطة، بواسطة بناء عالم جديد وواقع أكثر تتقدّمًا من واقع هذا العالم، وهو يتمثل في المستقبل البعيد، أو في عالم مُوازٍ. أحد أشهر أدباء هذا النوع هو جورج أورويل في نصوصه الأزليّة، "1984" و"مزرعة الحيوان". قد يكون هذا الأدب بعيداً عن الواقع، إلى أن التفكير بالمدينة الفاسدة يولّد تفكيرًا بالنقد الاجتماعيّ- السياسيّ تجاه الواقع الذي يعيشه القارئ. ويسمّي باحث أدب المدينة الفاسدة، براتفورد، هذا النوع من التفكير بـ "الأحلام الاجتماعيّة" حيث تعبر هذه الأحلام والكوابيس عن نشاط مجموعات صغيرة ومنظمة في المجتمع لتغيير حيواتهم بشكل جذريّ. هذا التفكير يؤدّي إلى التشكيك في المفاهيم الاجتماعيّة، والسياسيّة والثقافيّة الراسخة في المجتمعات، بهدف فحصها والتأكّد من صحتها، وتغييرها إذا كانت فاسدة ووهميّة، بالذات في المجتمعات المتعصّبة والساكنة. وبسبب صفات الشباب وما يميّز جيلهم، أصبح أدب "المدينة الفاسدة" النوع الأكثر طلبًا ونجاحًا بينهم.
في السنوات الأخيرة، تم نشر كمّ هائل من أدب المدينة الفاسدة للشباب، ومن هذا الكمّ سنتطرق لسلسلتين نجحتا بشكل كبير في العالم، وحظيتا بصيغة سينيمائيّة لهما، وهما سلسلة "مباريات الجوع" (The Hunger Games) لسوزان كولينز، وسلسلة "الجامحة" (Divergent) لفيرونيكا روث.

بدأ أدب الشباب البالغين بالتحوّل إلى أدب ثوريّ وأدب نضاليّ من أجل العدالة الاجتماعيّة والتغيير المجتمعيّ، كي يكيّف نفسه مع احتياجات الشباب المجتمعيّة

ُعتبر "مباريات الجوع" ثلاثيّة طلائعيّة في مجال أدب المدينة الفاسدة للشباب. صدر الجزء الأوّل سنة 2008، والثاني "ألسنة اللهب" سنة 2009، والثالث والأخير "الطائر المقلّد" سنة 2010. تتطرّق الثلاثيّة لواقع الولايات المتحدة في المستقبل بعد الحرب العالمية الثالثة.
"الجامحة" هي ثلاثية صدرت بعد سنة على آخر إصدار لمباريات الجوع، أي سنة 2011، وحظيت بنجاح لا يقلّ عن مباريات الجوع. الكتاب الثاني في السلسلة "متمرّدة" صدر سنة 2012 والجزء الثالث والأخير "الوفية" صدر سنة 2013. تتطرّق الثلاثية كذلك لواقع الولايات المتحدة في المستقبل بعد الحرب العالمية الثالثة، ولكن في الجزء الثالث يكتشف القرّاء أنّ أحداث الجزء الأول والثاني لم تكن إلّا جزءًا من تجربة وراثيّة بالمجتمعات البشريّة. وبهذا تمثل السلسلة نقدًا داخليًّا تجاه تقدّم الأدب من جهة، وتجاه تقدّم العلم عندما تبرر الأهداف الوسائل.
نرى في السلسلتيْن صراعًا شبابيًّا ضدّ الطبقة العليا في السلطة، وفي كلّ واحدة منها نتعرّف بنوع مختلف من السياسات والثورات، إذ نلتقي بشخصيات "تركب" موجة الثورة، وشخصيات تضرّها الثورة. تتمركز السلسلتان حول شخصية نسويّة محاربة ومدافعة عن حقوق الأقليات الضعيفة، وفي الحالتين تدفع البطلتان ثمن هذه التضحية لإسقاط النظام.

تعليقات (0)

    إضافة تعليق