في نهاية الأسبوع الماضي، صدر في دور العرض في معظم أنحاء العالم الجزء الثاني لفيلم مارفل دكتور سترينج، باسم "دكتور سترينج في عالم الجنون الموازي" Doctor Strange in the Multiverse of Madness. يعتبر هذا الفيلم استمرارًا مباشرًا لمغامرات البطل الخارق المعروف باسم دكتور غريب، أو دكتور سترينج، بعد مغامرته الغريبة في محاولة إنقاذ العوالم الموازية، التي شهدناها في فيلم سبايدرمان الأخير، الصادر العام الماضي (2021). نذكر كذلك أنّ فيلم دكتور سترينج هو الفيلم الثامن والعشرون ضمن سلسلة أفلام عالم مارفل السينمائي (MCU).
أثار الفيلم موجات من الاعتراض والجدل في الكثير من وسائل الاعلام في العالم، قبل أشهر قليلة على عرضه، إذ بدأ النقاش عندما قرّرت السعودية حظر الفيلم ومنع عرضه في دور العرض. مباشرة بعد السعودية، جاء دور مجموعة أخرى من الدول العربية التي قرّرت الانضمام لقرار منع العرض، مثل مصر والكويت والبحرين والأردن وغيرها. في البداية كانت ادعاءات العرض غريبة وغير واضحة نسبة إلى أنّ الفيلم هو فيلم لأستديوهات مارفل؛ فقد ادعت الجهات السعودية في البداية أن الفيلم يحتوي على مشاهد جنسية، ولكنها سرعان ما تراجعت عن التصريح. في النهاية تم التوضيح بأن السعودية، وغيرها من الدول العربية المانعة للفيلم، قررت منعه بسبب عرض شخصية مثلية فيه، وأكثر من ذلك عرض أصولها الوالدية، حيث تكون ابنة لوالدتين.
وقد صرّح المشرف العام على قسم التصنيف السينمائي في الهيئة العامة للإعلام المرئي والمسموع في السعودية، نواف السبهان لوكالة فرانس برس، إنّ الرياض كانت قد سبق وطالبت ديزني -الشركة المنتجة للفيلم وراء مارفل- حذف مشهد "بالكاد يبلغ طوله 12 ثانية". وأضاف بعلمه أنّ هذا المشهد لا يُظهر أي لقطات جنسية، بقدر ما يعرض تمثيلًا لشخصية مثلية في الفيلم وحديثها عن "والدتيها". وهذا العرض قد يؤدي بالمشاهد لفهم التطرق للحديث عن علاقة جنسية مثلية، ما يخالف الأعراف السعودية وفق السبهان. ديزني بدورها، رفضت حذف هذه اللقطات وتنازلت عن التوزيع في الرياض.
طبعًا إضافة إلى الدول المذكورة، وغيرها من العالم العربي، فقد منعت روسيا والصين عرض الفيلم، بادعاءات مختلفة ومتعددة. وتماشت روسيا مع الاعتراض على التمثيل المثلي، بينما أضافت الصين اعتراضها على ذكر مجلة معارضة للحكم الشيوعي في البلاد.
بعد إصدار الفيلم ومشاهدته في الكثير من الدول الأخرى في أنحاء العالم، أصبح من الممكن لدينا التطرق إليه وإلى المشاهد "المخالفة للأعراف" بشكل صريح وواضح أكثر. ومن هذا المكان يمكننا أيضًا مناقشة اسقاطات الحظر ومعانيه على المشاهد العربي وعامة على حرية الإعلام الثقافي في العالم العربي.
في المشهد الأول للفيلم، تظهر البطلة الخارقة الجديدة، أمريكا تشافيز، الفتاة من الأصول اللاتينية، إسبانيّة اللغة، لتصبح محورًا يدور حوله كافة الفيلم. يحكي الفيلم قصة هروب أمريكا من عفاريت تلاحقها للاستيلاء على قوتها الخارقة في التنقل بين العوالم الموازية، ومحاولة دكتور سترينج إنقاذها من هذه العفاريت. حتى الآن، كل هذا معروض في الفيلم بشكل واضح، ولكن من يعرف الخلفية الحقيقية لقصة أمريكا تشافيز البطلة الخارقة، يعرف أن وراء اسمها قصة مركّبة أكثر.
في مجموعة مجلات الكوميكس "المنتقمون الشبان- الجزء الثاني" (Young Avengers Vol 2) الصادرة عام 2013، تظهر قصة أصول الشخصية. عاشت أمريكا تشافز مع عائلتها في العالم الموازي الطوباوي (Utopian Parallel)، حتى سنّ السادسة تقريبًا، إذ تم تهديد هذا العالم بالدمار الشامل. عندها ضحّت والدتا أمريكا بأنفسهما ببطولة من أجل إغلاق الثقوب السوداء التي كانت تسحب المدينة الطوباوية إلى العوالم الموازية. بعد تضحية والدتيها بحياتهما، انطلقت أمريكا إلى عوالم أخرى لتحاول اثبات نفسها وقدراتها الخارقة من أجل منع تهديدات العوالم الموازية.
أما في فيلم دكتور سترينج، فليس هناك تطرّق إلى القصة العامة بهذه الطريقة، بل يعرض الفيلم في مشهد قصير جدًا (12 ثانية، تبعًا للسبهان) يحدث في ذاكرة البطلة، حيث يحكي أنها كانت تلعب بين الأزهار في الحديقة مع والدتيها حتى باغتتها نحلة صغيرة. خوفها من النحلة أدّى لكشف قواها الخارقة وفتح نافذة (على شكل نجمة) إلى العوالم الموازية. هذه النافذة قامت بسحب والدتيها إلى عالم موازٍ آخر بعيد، ومنعها من مواصلة العيش معهن. كونها غير قادرة على السيطرة على قدراتها الخارقة، عجزت عن الوصول إلى والدتيها، أو حتى معرفة إلى أي عالم من بين آلاف العوالم الموازية قد تم سحبهما.
إذًا، من هذا المنطلق، يبدو أن الاعتراض نفسه على هذه الثواني الاثنتي عشر، جاء فقط على عرض إمكانية وجود زواج مثلي وبناء عائلة أحادية الجنس، لأنّ هذه هي الفكرة الوحيدة المعروضة في سياق الحياة الزوجية المثلية. من المثير أن تطرّق دكتور سترينج إلى والدتي تشافز طيلة الفيلم جاء بصيغة Parents، أي والدين، دون تطرّق لنوع جنسي اجتماعي معيّن، ودون استعمال مصطلح Moms، أمهات. إلّا أن اللغة العربية، كما لغات أخرى غيرها، تترجم كلمة Parents بناءً على تحديد الجنس، فيمكن ترجمتها إلى والدين أو والدتين، ما يؤدي إلى حتمية تمثيل مثلية العائلية في ترجمة الفيلم، رغم إمكانية تطبيعها في الإنجليزية.
تمثيل آخر في الفيلم لا بد من ذكره لأنه يظهر في كافة الفيلم، هو وسام علم مثلي ترتديه أمريكا على قميصها. الوسام صغير جدًا، ولو لم تكن كل هذه الفوضى حوله لكان مرّ من تحت رادار معظم المشاهدين، غير أنه بألوان باهية قريبة جدًا من ألوان القميص.
في النهاية لا بد من ذكر أنّ فيلم دكتور سترينج ليس أول فيلم لمارفل يثير الجدل في ذات السياق، بل سبقه كذلك فيلم إيتيرنالز Eternals (2021)، الذي عرض مشهدًا واحدًا فيه كذلك عائلة مثلية مكوّنة من أب أسود وأب عربي لبناني، مع طفلهما. عندها منعت الفيلم العديد من الدول مثل السعودية وقطر والكويت ومصر، ومارفل رفضت التنازل عن ذلك المشهد. هو كذلك لم يكن مفصلي بالفيلم، وكلنه كان مفصلي في عرض الشخصيات وخلفيتها العائلية. أما عن الصين، فقد حظرت هذا الفيلم (Eternals) لأسباب سياسية هذه المرة، كون المخرجة كلوي زاو قد شاركت ببعض النقد على السياسات الصينية في منصات إعلامية عالمية، وباعتراض الجمهور الصيني على كونها "تتبنى الثقافة الصينية وتتحدّث باسمها".
عودة إلى دكتور سترينج، بالرغم من كل ما ذكر أعلاه، نذكر أن هذا الفيلم، خلافا عن الكثير من أفلام الأبطال الخارقين الأخرى، صُنّف لأجيال 13 وما فوق، ولكن ليس بسبب تمثيل المثلية، بل بسبب كونه قريبًا من جانر سينما الرعب. ففي الفيلم بعض المشاهد التي تذكّر المُشاهدين بأفلام رعب من نوع أفلام الزومبي (الأموات الأحياء)، وأفلام الحلقة (The Ring) وحتى أفلام مصاصي الدماء، كفيلم دراكولا. هناك أيضًا مشاهد قتل واحراق جثث واضح. طبعًا كل هذا لم يؤثر على قسم التصنيف السينمائي السعودي وكان أقلّ تهديدًا من عرض العائلة المثلية والعلم الملوّن.
إمكانية تحديد الجيل وزيادة تصنيف العمر إلى جيل 16 عامًا وما فوق، هي بلا شك إمكانيات كان من الممكن أن تكون أفضل من الحظر والمنع النهائيّ للفيلم، بل وأيضًا من منطقه. فإذا حسبنا الموضوع بمنطق، مجرد منع الفيلم وحظره قد يؤدّي للتساؤل عن سبب منعه، وهنا الإجابة هي "تمثيل عائلة مثلية". أي أنّ المشاهد السعودي يعرف أنه هناك عائلات مثلية في العالم، وفي الفيلم بشكل خاص، وهذا بالضبط ما يفعله الفيلم، فهو لا يدعم أو يذم المثلية بل يعرض وجودها، وكما هي موجودة في الكثير من المناطق في العالم فالمشاهد السعودي يعرف بوجودها، فما هدف المنع أصلًا؟ حيث أنه لا يمنع إمكانية المعرفة، بل يزيد من حدة التركيز عليها وجعلها محورًا يدور النقاش حوله، وهي ليست كذلك بتاتًا في الفيلم!
لقراءة التوصية على الفيلم: دكتور سترينج وجنون الأمومة
تعليقات (0)
إضافة تعليق