بثينة العيسى كاتبة وروائيّة كويتيّة، حاصلة على شهادة الماجستير في إدارة الأعمال. وهي عضو في رابطة الأدباء الكويتية وفي اتّحاد كتّاب الانترنت العرب.
بدأت الكتابة على المواقع والمنتديات الالكترونيّة قبل إصدار عملها الأدبيّ الأوّل "ارتطام لم يسمع له دويّ" عام 2005، ثمّ أصدرت بعده الكثير من الأعمال المتنوعة بين الروايات والمقالات والنصوص مثل خرائط التيه وحارس سطح العالم. أسّست منصّة "تكوين" للكتابة الإبداعيّة والنشرعام 2016، وأدارت الكثير من ورش الكتابة، وترجمت وكتبت للأطفال قصّة "ماذا نفعل عندما نشتاق" و"أعلى الشجرة، أسفل التلّة"، وكتاب "مدينة بنصف قلب" للكبار والصّغار.
- ربما نعرف الكثير عن بثينة الأديبة، لذا عرّفينا عن بثينة الطّفلة، كيف كانت تكتب؟ ماذا كانت تقرأ؟ وكيف باستطاعتنا أن نخلق من طفل قارئ، أديبًا متمرّسًا عندما يكبر؟
كانت مثل أكثر البُنيّات تكتبُ مذكراتها، وتطلب من "الكبار" أن يكتبوا لها كلمات تذكارية في دفاترها الصغيرة، وكانت مثل كل البنات تحبُّ الصور اللاصقة، والألوان، وتخصص أوقاتًا طويلة لقراءة تلك الصفحات مرة بعد أخرى.
ومثل أغلب البُنيات، كنت أحب سلسلة الحكايات المحبوبة، المسماة أيضًا سلسلة "ليدي بيرد"، وأظنني مدينة لها بتهيئتي لدخول عالم الأدب من أصغر وأظرف أبوابه. منذ القدر السحرية وحتى مغامرات روبن هود. ومنذ نزهة الأرانب وحتى قصة مدينتين. وبفضل أمي، أولعت بقصص المكتبة الخضراء، لأنها عندما تشتهي قراءة قصة لنا، كانت تختار شيئًا منها، وأحبُّ تحديدًا حكاية "الليمون العجيب".
أما بالنسبة للشقّ الثاني من السؤال، فليس عندي سوى مزيد من الأسئلة. هل يخلق القارئ؟ هل يكون الإنسان "غير قارئ" حينًا ثم يتحوّل إلى قارئ؟ أم أننا نملك كلنا تلك القابلية النفسانيّة والذهنيّة للقراءة، لكننا لمّا نكتشفها، ربما لأننا لم نعثر على الكتاب المناسب بعد؟ القراءة كعملية ذهنية هي عملية متّصلة، داخل الكتاب وخارجه، ولا أعتقد أنّ القارئ يُخلق بل يُكتشف، ولاكتشافه نحتاج أن نخفّف من قبضتنا المُسيطرة على الطفل وأن نتيح له الخيارات حتى يكتشف تفضيلاته. وأن نسمح بالمخيلة الفسيحة بدلا من كتب الوعظ والنصح و"افعل ولا تفعل". يحتاج الطفل إلى كتب تجعله يضحك ويشهق، وأحيانًا يتألَم. لمَ لا؟ فهذا هو ما نريده كلنا، صغارًا وكبارًا، من الأدب.
أما بشأن خلق "أديب متمرس" من طفل قارئ، فليس عندي جوابٌ بهذا الشأن. لا شيء سوى الشكّ.
- عُرفتِ ككاتبة لأدب البالغين، ثم أصدرت وترجمت كتبًا للأطفال، كيف جاءت فكرة الكتابة للأطفال، وما هي أهم الفروقات التي لاحظتها في عملية الكتابة بين الأدبين؟
كنتُ قد أنهيت كتابة "خرائط التيه" وهي أقسى رواية اُضطررتُ إلى كتابتها في حياتي. كنتُ مغمورة تمامًا بأجواء الرواية وأريد ما ينتشلني خارجها، ما يطهرني منها حتى. لسببين؛ التعافي على المستوى الشخصي، والثاني هو القدرة على العودة إلى الرواية بعد شهرين أو ثلاثة بعينين جديدتين. كتبتُ في ثلاثة أشهر "أسفل الشجرة أعلى التلة" و"مدينة بنصفِ قلب"، وقصة ثالثة لم أنشرها حتى الآن، وشعرتُ بأنَّ الكتابة للطفل هي كتابة التشافي.
بالنسبة للفرق بين العالميْن فهو بالنسبة لي اختلافٌ في الأدوات والفنيات، لا في المقاصد والثيمات. قصص الأطفال التي أكتبها تتحدّث عن الحب والفقد والشوقِ والاختلاف والتضحية والقسوة وفاشية التشابه والاضطهاد العاطفي. إنها ثيماتٌ راشدة في الوعي الشائع، لكنَّها جزء من أسئلة الطفولة أيضًا. سأنتبه إلى اللغة، سأحاول أن أقول الأكثر من خلال الأقلّ، سأرشّد المعنى وأقتصدُ في المبنى. سأعوّل كثيرًا على الجانب البصري من النّص وعلى التكامل بين اللغة واللوحة. ما عدا ذلك، أسئلتي التي تجعلني أكتب ما زالت نفسها.
- تأخذ كتاباتك للأطفال بعدًا إنسانيًا، معضلة الشوق والافتقاد والبعد والمحبّة التي بإمكانها الاستمرار بطرق أكثر حريّة، هل تتعمّدين طرق هذه الأبواب الداخلية عند الأطفال؟ وما هي الموضوعات التي نسيها أو تجاهلها أو خاف منها أدب الطفل العربي فلم يكتب عنها حسب رأيك؟
لا أريد إطلاق أحكام نهائية. لكن ما أعرفهُ أنَّ الكثير من المحتوى العربي لأدب الطفل مهووس بفكرة الطفل الذي يفعل الأشياء الصحيحة؛ طفل يفرشي أسنانه ويحب معلميه ويطيع والديه. إنها كتب تعبئة فكرية ونفسية وليست أدبًا، ليست كتبًا للدهشة. كتب تربوية مساعدة في أحسن الأحوال.
في حين تقرأ ابنتي قصة "اليرقة شديدة الجوع" أو "إلى عالم المخلوقات البرية" أو "القلب والزجاجة" -بالإنجليزية- تمتلئ مناهج اللغة العربية بنصوص وعظية مجوفة، لا تقولُ الطفل ولا تخاطبه. وفي حين تمتلئ رفوف كتاب الطفل العربي بمؤلفات تعدد للطفل أسباب سعادته (وتفترضها قسرًا) رغم أنّ الطفل العربي "معتّر" يبيع العطور في الشوارع أو يعيش في مخيم أو لا يجد ما يأكله. نجد كتبًا مثل "الشجرة الحمراء" و"سيكادا" و"ابكِ يا قلب" و"وداعا سيد قاروض" تعالج بأريحية أسئلة الاكتئاب والموت.
لا يريد الطفل كتبا تعكس مثالية مستحيلة، ولا يمكن أن ندعي بأننا نكتبُ للطفل حقًا ما لم نجسر على الذهاب إلى مناطق غير مريحة، من دون رقابة البالغ التربويّ، بل بأريحية الطفل الداخليّ في الكاتب الراشد.
هذا لا ينسفُ حقيقة وجود ناشرين طليعيين في عالم أدب الطفل يغامرون بأخذ نصوص الطفل إلى تلك المناطق التي يغمض عنها الكبار. وينتجون كل سنة كتبًا تطرح أسئلة حقيقية لا يملكون إجاباتها، لكنهم يسمحون للصغار بطرحها، فهذا حقهم.
- تبدو رسومات كتاب "أسفل الشجرة، أعلى التلة" مجرّدة بعض الشيء ومتمازجة ومتداخلة وكأنها تبعث قليلًا من التشتت والحيرة التي تعيشها كلا الشخصيتين في القصّة إلى القارئ، بينما رسومات كتاب "ماذا نفعل عندما نشتاق" فقد كانت جزءًا مكمّلًا للنصّ، مباشرة أكثر وواضحة، كيف تختارين لكلّ كتاب رسّامه؟ وما هي آلية عملك مع الرسام بعد أن يجهز النصّ كتابيًا؟
الحقيقة أنني أعهد بهذه المهمة إلى ناشرتي العظيمة وصديقتي الغالية أروى خميّس. في البداية نحاول تخيّل طبيعة الرسومات، ثم نبحث عن رسّام(ة)، مناسب(ة)، نطلب منه رسم نموذج أو اثنين ونقدم ملاحظاتنا.
إصدار كتاب للطفل، في تجربتي، يستغرق ما لا يقلّ عن سنة. وعملية التواصل والتنسيق تجري على قدم وساق بين المؤلفة والناشرة والمُصمّمة والرسّامة، حتى نتوصل إلى شكل مرضٍ لجميع الأطراف.
- هل تأخذين رأي أطفالك في نصوصك قبل طباعتها؟ وما هي أغرب التعليقات التي سمعتها منهم أو من أطفال آخرين حول قصصك؟
لا أفعل، لأنني أعتقد بأن تلقّي النص سيبقى ناقصًا بلا لوحات. لكنني أقرأها معهم بعد صدورها. لقد أحبّوا "ماذا نفعل عندما نشتاق" و"مدينة بنصف قلب" أكثر من "أسفل الشجرة أعلى التلة".. بشكل عام ذائقة أطفالي في القراءة تجنح نحو المضحك والعجيب، ومؤلفهم المفضل هو مؤلفي المفضل أيضًا؛ أوليفر جيفرس. ويبدو أنني أكتب لأطفال آخرين لم أنجبهم.
-كيف تختارين الكتب التي تترجمينها؟ وما هو سرّ ترجمتك لكتب "أوليفر جيفرز"؟
أترجم الكتب التي أتمنى لو أنني كنت كاتبتها. أوليفر جيفرس يمنحني هذا الشعور؛ أنني أقفُ في أرض قريبة من نصِّه ولو أنه تأخر لخمس دقائق لكتبتُ القصة بنفسي.
-حدّثينا عن الأطفال زوّار تكوين، ماذا يختار الأطفال من كتب؟ وكيف يختارونها؟ وهل لدى الأطفال أسئلة معينة حول الكتب يسألونها في المكتبة؟
أراها تجربة عفوية وانطباعية جدًا، وأنا لا أتدخل بين الطفل وكتابه إلا في حالة عدم توافق التصنيف العمريّ بينهما. زوار المكتبة يحبون كتب دار الحدائق ودار أروى العربية ودار الفُلك ودار المنى، ولا أدري لماذا يسألونني كثيرًا عن "قصص الأشباح". الجواب هو لا. ليس عندي قصص أشباح، لكن المكتبة أصلا بيت أشباح، أليس كذلك؟
-فعلًا. لقد صدر حديثًا عن دار أروى للنشر كتاب "صديقي المتخيّل" من ترجمتك للعربيّة، وهذا لا يمنع أن نسأل إن كان في جعبتك المزيد من الأعمال أو المخططات لكتابة أو ترجمة كتب للأطفال عما قريب.
لا للأسف. سرقني عالم الكبار.
تعليقات (0)
إضافة تعليق