قصة عميقة جدًا بصورة بكلمات جدًا. في التوصية الأولى، تطرقت لقصة الرائع زكريا تامر - الأولاد يضحكون. كالبحر، ذكرتني بها جدًا، كونها قصة قصيرة جدًا وبكلمات بسيطة تتمكن من شق أفق فلسفة عميقة.
في الكتاب، طفل صغير يطلب من جده أمنية، فيحكي له قصة صياد يصطاد الكثير من السمك، ويكتب على رمل الشاطئ أن البحر كريم، وعن طفلة يضيع مشطها في البحر، فتكتب على الرمل بأن البحر لص، وعن قبطان سفينة يكتب أن البحر هادئ، والبدر في السماء الذي يكتب أن البحر غيور، وغيرهم الكثير من الشخصيات التي تخوض البحر بطرق مختلفة فتتغيّر تجربتها تجاهه، وتكتب كل منها أمر آخر يصف البحر بطريقة مختلفة. في النهاية، يأتي الموج العالي ويغسل كل ما كُتب على الساحل. فيلخّص الجد الرسالة، "ان أردت أن تكون بحرا، فعليك ألا تهتم لكلام الآخرين!".
هذه الرسالة الرائعة، تُعرض في الكتاب بأبسط وأروع طريقة. لو كنت محررا للكتاب، لحذفت تلخيص الجد وتركت الطفل يتخبط ويستوعب الرسالة لوحده، ولكن مباشرة الرسالة لا تضر بالكتاب في هذه الحالة. أحببت الكتاب كثيرًا كونه يوفّر نقاشًا واسع حول التجارب المختلفة التي قد يخوضها الأفراد لذات الظاهرة، وهي أكثر صور التعددية تجريدًا. الكتاب يوفّر رسالة تربوية وفلسفية وقيمة اجتماعية هامة لتقبّل الآخر وتقبّل الذات.
رسومات الكتاب، رائعة جدًا وتمثّل روح الكتاب، وروح "المسح" الذي يقوم به البحر، كون الألوان تتداخل وتنغمس الواحد منها في الآخر حتى تتلاشى الحدود بين البحر والشاطئ. هذا بالإضافة لزرع الكلمات والأحرف في داخل النص، الذي يقترح قراءة جديدة للواقع، فيه الكلمات هي جزء من الواقع، بل هي قائمة بحد ذاتها، وقد تؤذي، أو تفيد، حتى يأتي البحر بنفسه لمسحها.
أحب الكتاب وأنصح به بشدة لأجيال 3 سنوات وما فوق.
تعليقات (0)
إضافة تعليق