Image Background

اخترنا لك

الظلّ يرقص معي: حضور سيرة المؤلف في ظلّ السياسة والأدب

اخترنا لك: كتب


الظلّ يرقص معي: حضور سيرة المؤلف في ظلّ السياسة والأدب
أسماء أبو اسماعيل

الكاتب: هاني السالمي؛ الرسومات: أحمد الخالدي

تحكي القصة عن فتاة اسمها مريم تزور بيت جدها وجدتها في الإجازة حيث يجتمع الأحفاد هناك. في الساحة الخلفية للبيت غرس الجدّ ثلاث أشجار في خط مستقيم، كبرت مع السنين وتخطّى طولها جدار ساحة البيت، وصارت العائلة تجتمع تحتها عند الغروب ويدور الأطفال حولها، ولأنهم غالبا ما يتعاركون على الارجوحة. حكم الجد بينهم بالعدل وقام بتوزيع الأدوار عليهم، وفي إحدى المرات نسي الجدّ مريم في الساحة فتبقى وحدها، حيث تهبط العتمة بسرعة ويصعد القمر فوق الشجر. يعجب مريم مشهد ظلال الشجرات الثلاث المنعكسة على جدار الساحة، حيث شكلت أشكالا لمخلوقات غريبة لم ترَها من قبل، لدرجة أنها أحبّتها وأحبّت أن ترقص معها. وجدت مريم أنّ الظلال خشنة ولا تأكل ولا تركب الأرجوحة، ولا تصرخ، ولا تضرب أحدًا، فتأكدت أنها كائنات لطيفة، فأصبحت صديقة لهم تنتظر كلّ يوم حضور العتمة لتلعب معهم، حتى قرّر الكبار في يوم من الأيام خلع الأشجار لبناء بيت جديد في الساحة، وتحاول مريم منعهم لكنها تفشل بذلك، فتحزن كثيرًا، ولكن جدها يقدم لها كيسًا كبيرًا فيه شتلات صغيرة وهو يغمزها، فتبتسم وبهذا المشهد تنتهي القصة.

تشبه هذه القصة في خصائصها القصة الشعبية إلى حدٍّ ما؛ فمن مميّزات الحكاية الشعبية أنها مزيج من الخيال والواقع تجلى ذلك في علاقة مريم مع الظلال وتواصلها معها، وعنصر التثليث، متمثّلا في الثلاث شجرات، وبدايتها هادئة ونهايتها مُفرحة، إذ تجلى ذلك في بداية القصة حين اُفتتحت بمشهد عائلة تجتمع في الاجازة تحت الشجرة، وفي ختام القصّة حين انتهت بابتسامة مريم.
أسلوب سرد القصة مُحيّر بعض الشيء؛ فأنت تقرأ عن فتاة صغيرة ينساها جدها في العتمة فتعتقد أنّ هذه هي الذروة والحدث الأعظم في القصّة، لتجد أنّ الكاتب يتجاهل هذه العقدة ولا يعالجها، وينهي القصّة بعقدة أكبر والتي هي قرار الكبار بخلع الأشجار، حيث لا تستطيع مريم منعهم فيظن القارئ أنّ نهاية القصة حزينة، ليُفاجأ بأنّ الجد قدّم لبطلة القصة بديلا يجعلها تبتسم، وتنتهي القصّة بابتسامة!

هذه الحيرة التي ترافقك في سرد الأحداث ترافقك في فهمها، ولسان حالك يقول: ما الذي يريده الكاتب؟ هل يتحدّث الكاتب عن الخوف من الظلام؟ عن الظلّ والأشباح؟ عن الوطن؟ أم عن كلّ ما ذُكر سابقًا!
في البداية بدت لي تركيبة هذه الأحداث مزعجة بعض الشيء، فنسيان مريم وحيدة في العتمة وعدم الانتباه لغيابها أو محاولة البحث عنها أو حتى الاعتذار لها في الصباح مثلا! رغم ذكر أنها استاءت من جدّها، وحتى أنّ مريم لم تطلب المساعدة أو النجدة، ولم تقم بأيّ ردّ فعل تجاه هذا الحدث، لم يكن أمرًا جيّدًا بالنسبة لي ووجدتُ أنّ إهماله يُضعف من حبكة القصة ويربك عقل الطفل...
لكن بعد قراءة المشهد الأخير في القصة انقلبت الموازين واختلفت نظرتي للأحداث كليًا، وأوّل سؤال سألته لنفسي: هل الكاتب فلسطينيّ؟ هذا ما لم أبحث عنه قبل القراءة، ودفعني المشهد الأخير إليه، إذ أنّ مشهد اقتلاع الشجر يُذكّرنا بالتهجير واقتلاع الشعب من أرضه. وفعلًا وجدتُ أنّ كاتب القصّة فلسطينيّ من غزة. وبعد معرفتي لهذه المعلومة، صرت استخلص من الأحداث معانيَ أخرى، قد تكون الأحداث كتبت بهذه الطريقة عمدًا، تعبيرًا عمّا عاشه الكاتب، أو أنّ "لاوعي" الكاتب لعب دورًا في صياغة الأحداث مثلا: رأيت بمشهد نسيان مريم في الظلام تعبيرًا عن نسيان قضية الشعب الفلسطيني، أو عن إهمال الجيل الكبير للجيل الصغير، وكيف أنّ الجيل الصغير مستاء من الجيل الكبير، لدرجة أنّه لا يطلب منه المساعدة، ولا النجدة...

وظهرت مريم في القصّة كفتاة وحيدة جدًّا، ورغم تركها في العتمة مع الظلال المتحرّكة لم تهرب ولم تخف، بل حاولت التأقلم مع الوضع الجديد وخلق عالمها الخاصّ بنفسها. وبدا لي أنّ مريم تمثل بلدًا بأكمله، شعب غزة الذي رغم أنه تُرك وحيدًا الا انه تأٌقلم مع الوضع واستمر في خلق فرصه بنفسه. الشجرات الثلاث بدت لي كأنها دلالة على الداخل الفلسطيني والضفّة وغزة.
وفي المشهد الأخير لخّص الكاتب رسالته حين قال: "حزنت مريم كثيرا ولم تستطع أن تمنعهم من ذلك، أمّا الجدّ فقد اكتفى بالوقوف مع عكازه، وفي يده كيس كبير فيه شتلات صغيرة قدّمه إلى مريم وغمزها، فابتسمت".
حاولت مريم منعهم من اجتثاث الأشجار لكنها لم تفلح بينما لم يتحرّك الجد واكتفى بالتفرّج، وكأنّ الكاتب يريد أن يقول لنا إنّ دور الكبار قد انتهى وجاء دور الجيل الجديد ليصنع التغيير.

الظلّ يرقص معي
قصة للأطفال، للكاتب هاني السالمي؛ رسومات: أحمد الخالدي
مؤسّسة تامر للتعليم المجتمعيّ
هذه الحيرة التي ترافقك في سرد الأحداث ترافقك في فهمها، ولسان حالك يقول ما الذي يريده الكاتب؟
  • التاريخ: 01/09/2019
  • كلمات مفتاحية: كتب